الحرب التي لن تنتهي: كيف أشعل 7 أكتوبر عاماً من الصراع؟
باتريك كينغسلي، رونين بيرغمان، وبلال شبير- نيويورك تايمز
Tuesday, 08-Oct-2024 06:20

يانيف هيجي، منظّم مجتمعي إسرائيلي، فَرّ من منزله في 7 أكتوبر الماضي بعدما اجتاح مسلّحون من غزة قريته في جنوب إسرائيل. قال هيجي: «كنتُ متأكّداً أننا سنعود بحلول كانون الثاني».

أمّا محمد شكيب حسن، وهو موظف حكومي فلسطيني، ففرّ من منزله في 12 تشرين الأول بعد أن ردّت القوات الجوية الإسرائيلية على الهجوم بقصف مدينته في شمال غزة. وقال حسن: «كنا نظنّ أنّها ستستمر لمدة شهرَين كحَدٍّ أقصى».

لكن بدلاً من ذلك، استمرّت الحرب في غزة لمدة عام، من دون أي نهاية في الأفق.


إنّها أطول حرب بين الإسرائيليِّين والعرب منذ انتهاء الصراع الذي حدّد حدود الدولة الإسرائيلية في عام 1949. وهي أيضاً الأكثر دموية. أكثر من 1500 إسرائيلي قُتلوا، معظمهم خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر، واختُطِف حوالى 250 آخرين. وأكثر من 40,000 فلسطيني قتلوا في الهجوم المضاد الإسرائيلي، الذي بدأ بإحدى أشدّ عمليات القصف التي سُجِّلت في الحروب الحديثة.


تتسع الآن دائرة الحرب متعدّدة الجبهات بين إسرائيل وحلفاء حماس الإقليميِّين، وآخرها غزو إسرائيل للبنان وقصف إيران لإسرائيل، لكنّ جوهر الصراع لا يزال المعركة الأصلية بين حماس وإسرائيل، والتحدّي الذي يكاد يكون مستحيلاً لإنهائها.


في داخل إسرائيل التي تعاني من صدمة عميقة، زاد هذا الصراع من الانقسامات الاجتماعية المستمرة، وأشعل نقاشاً مريراً حول ما إذا كان يجب التركيز على تدمير حماس أو التوصّل إلى اتفاق لتحرير الرهائن.
خارج إسرائيل، أثارَ الردّ العسكري الإسرائيلي على فظائع حماس حالةً من الرعب، إذ وُجِّهت لإسرائيل اتهامات بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب، مع انتشار الاحتجاجات في الولايات المتحدة وخارجها.


كما أبرزت الحرب في غزة حدود النفوذ الأميركي، إذ لم تتمكن إدارة بايدن من ممارسة الضغط اللازم للتوسط في هدنة، أو لم تكن راغبة في ذلك. وعلى الأرض، تسبّبت الحرب في نزوح الملايين من الأشخاص، معظمهم في غزة، لكن أيضاً في إسرائيل.


يعيش هيجي الآن في منزل شخص غريب، على بُعد 100 ميل من مسقط رأسه، وهو متردّد في العودة إلى قريته المدمّرة جزئياً، بينما يستمرّ القتال في المناطق المجاورة. أمّا حسن، فيعيش الآن في خيمة بوسط غزة، وهو ثالث مأوى موقت له منذ أن فَرّ من شقته المدمّرة قبل عام تقريباً.


ويُضيف حسن: «كنّا متفائلين بأنّها ستنتهي بحلول رمضان. ثم العيد. ثم عيد الأضحى»، معدّداً ثلاثة أحداث مهمّة في التقويم الإسلامي التي حدثت في النصف الأول من العام. وتابع: «بدلاً من ذلك، مرّ 12 شهراً أمام أعيننا».
وفقاً للعديد من المعايير العسكرية، فقد حطمت إسرائيل حماس، إذ قتلت معظم قيادتها والعديد من مقاتليها، وسيطرت على معظم أراضيها في مرحلة أو أخرى، واستولت على أو دمّرت جزءاً كبيراً من ترسانتها وأغلقت الطرق التي قد تستخدمها لتهريب أسلحة جديدة.


مع ذلك، لا تزال الحرب مستمرة، لعدة أسباب، لكن بشكل أساسي بسبب هذا: حدّدت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لنفسها عتبة نصر تكاد تكون غير قابلة للتحقيق، في حين أنّ مفهوم حماس للنصر يتمحوَر بشكل أساسي حول البقاء.


تريد إسرائيل تدمير قيادة حماس بالإضافة إلى تحرير ما يقرب من 100 رهينة ما زالوا محتجزين لدى الجماعة. الهدف الأول يمنع تحقيق الهدف الثاني: يُعتقد أنّ قادة حماس المتبقين في غزة، بقيادة يحيى السنوار، يختبئون إلى جانب الرهائن، ممّا يجعل من الصعب على الجنود الإسرائيليِّين القبض عليهم أو قتلهم من دون إيذاء مواطنيهم.


وتهدف حماس بشكل أساسي إلى البقاء كحركة، وهو هدف متواضع يسمح لها بتحمّل مستوى من التدمير كان من الممكن أن يدفع الآخرين إلى الاستسلام. ففي الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان بعد أن عانت من دمار واسع النطاق، بينما استسلمت فرنسا لتجنّب مثل هذا الضرر. لكن لم تفعل حماس أياً منهما، إذ يحاول قادتها إشعال صراع إقليمي يُهدّد مستقبل إسرائيل على المدى الطويل.


كما تستمر الحرب بسبب الطريقة التي يخوض بها كل طرف المعارك. فحماس تحارب كقوة حرب عصابات، مستخدمةً شبكة هائلة من الأنفاق، ممّا يجعل من الصعب على إسرائيل توجيه ضربة حاسمة. وعندما استولت إسرائيل على أجزاء من غزة، تخلّت في معظم الحالات عن هذه المكاسب برفضها الاحتفاظ بالأرض.


الرجلان اللذان يقودان معظم هذه الديناميكيات هما نتنياهو والسنوار.
في إسرائيل، يعتمد نتنياهو في استمراره في السلطة على عدة نواب من اليمين المتطرّف، الذين هدّدوا بإسقاط حكومته الائتلافية الهشة إذا أنهى الحرب من دون تدمير حماس. ويرجع جزء من هذا الاعتماد إلى منع نتنياهو من الموافقة على صفقة لتحرير الرهائن.


أمّا في غزة، فأشرف السنوار على خطط الغارة التي بدأت الحرب. وتسامُحِه مع الدمار الكبير وعدد القتلى من المدنيِّين، هو ما سمح لحماس بمواصلة القتال حتى عندما كانت أجزاء كبيرة من غزة في حالة دمار وقُتل كبار قادتها العسكريِّين. كما أنّ إصراره على هدنة دائمة، مقابل إصرار نتنياهو على هدنة موقتة، منع التوصّل إلى أي وقف لإطلاق النار. يبدو أنّ كلا الطرفَين قد قرّرا أنّهما لن يعودا إلى ما كان عليه الحال قبل 7 أكتوبر. يتحدّث قادة حماس عن أنّ الوضع السابق للاحتلال الإسرائيلي والمستمرّ يجب أن يتغيّر مهما كان الثمن البشري. وتشعر إسرائيل بأنّها أكثر عرضةً للخطر بعد اليوم الأكثر دموية في تاريخها، وقرّرت أنّها لم تَعُد تستطيع تحمّل وجود جماعات مكرّسة لتدميرها على حدودها.


وتحدّث توماس ر. نايدس، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل حتى فترة قصيرة قبل هجوم 7 أكتوبر، بأنّ «هذه الحرب لن تنتهي لأنّ لا أحد يريد أن يتراجع. وفي هذه الأثناء، الجميع يخسرون - الرهائن وعائلاتهم، الفلسطينيّون الأبرياء، الإسرائيليّون النازحون من شمال إسرائيل، المدنيّون اللبنانيّون. والأمر مأساوي بالفعل».


تشرين الأول: عدوّ أخفى أول علامة على أنّ إسرائيل قد تواجه صعوبة في تحقيق نصر عسكري تقليدي جاء في الساعات التي تلت غزو قواتها لغزة في 27 تشرين الأول.


أرسلت إسرائيل أكثر من 20,000 جندي للاستيلاء على مدينة غزة وضواحيها، مصحوبين بمئات الدبابات، بعد أن قضت الطائرات الحربية الإسرائيلية ما يقرب من ثلاثة أسابيع في قصف غزة بإحدى أكثر الحملات الجوية دموية في القرن الحادي والعشرين.

الأكثر قراءة